وأنت بخير, يا أمّي
.. وأنت بخير, يا أمّي!
ماجد شاهين "بتصرّف"
لم تترك جدتي, الراحلة منذ سنوات, شيئا من ملابسها وارديتها, للابناء والاحفاد, وربما تركت وسادتها التي تحولت الى قطع متناثرة هرستها "مطحنة" وأحالتها الى جزء من "فرشة نوم او لحاف" كانت احدى العمات رغبت في توفيرها لزوم الحاجة المنزلية بفعل فائض العدد من الاطفال حينذاك.. وحينما سألت والدي عما اورثته امه, اغلق عينيه على دمع حارق, وقال: بقيت من جدتك رائحتها!
لله در تلك الرائحة وروائح الجدات ما اجملها! رائحة جداتنا وعصباتهن وارديتهن (ان بقيت) تدفعنا الى الماء, فلا نغرق, بل نغتسل من خطايا وكبائر النسيان والعقوق.. وبقايا الجدات تحرك الهواء كيما نتنفسه طيبا لذيذا!
كبرنا, يا عائشة, انت تدركين اواسط السبعين, وانا اقرأ ملامحي بالشيب ومصطبة الخمسين.. ولم ازل, بعد, ولدا شقيا.. كبرنا منذ المسافات جرفت ايامنا الى فقد وغياب وحرقة امومة وطفل فقد ظلاله واختنقت فيه اوتار البوح.. لم يعد بيننا سوى الورق والهواء الزاجل وانتظار وقت قد لا نملكه او نلحق به, في ضفتين ليس بينهما سوى النهر المقدس, ولا نلتقي.. اي قهر اشد واي حياة بطعم الموت هذه, يا عائشة؟
لم ازل منذ اول الجوى والنار, .. أحترف الوجد واحن الى خبز اشتهيه وصوتك وحضن لم يضمني مثل الصغار, او مثلما يركض حفيدك, كلما ضاقت اوقاته, الى حضن امه.. اتدرين انني وحتى اللحظة لا اجيد نطق مفردات من مثل (امي, يمه, ماما), واغار من اولادي حيث تخرج من افواههم لفظة الام اشهى من عسل مصفى وبطعم "فاكهة الجنة"!
هل افضت في الوصف والوجد؟
اسعى الى ذلك ولا اتقنه.. إنها امي!!
لأمهات أرضعننا وهززن أسرّتنا, ولامهات على قيد الامومة في انتظار فلذات الاكباد, في انتظار ان تهطل عليهن امطار الطفولة المشتهاة.. لامهات حرقهن الوجد والقهر على فقيد او غائب او ولد عاق.. لامهات غابت وجوههن وبقيت الملامح, نرفع النشيد والمحبة كلها.. نجمع الورد له وعناقيد الكروم, ونقول: كل عام ويوم ولحظة, وانتن طيبات!
2006-03-21