ArabComments
Sunday, May 14, 2006
  بصراحة | المقالات | الأهرام | الستينات | 16/6/1967


أقصى درجات العنف
بقلم محمد حسنين هيكل



بداية لحديث طويل عن الأزمة على ضوء القليل الذى ظهر من تفاصيل الحوادث فى أوقات المحن الكبرى - وما أكثرها على طريق بناء الأمم - لحظات يشعر فيها الذى يمسك بالقلم أنه لا يكتب ما يكتبه على الورق بقطرات من الحبر، ولكن بقطرات من دمه.



ومثل هذا شعورى اليوم!.



لكن مثل هذا الشعور بالرغم من أى شىء، وبالرغم من كل شىء، لابد من تنحيته جانباً، فإن هناك الآن ما هو أولى وأبدى.



وأولى وأبدى الأشياء الآن أن نتمثل بوضوح حقيقة ما حدث.



بتعقل كامل مهما كانت انفعالاتنا العاطفية.



وبصدق مع النفس مهما كانت نزعاتنا إلى التبرير.



ومع أن الانفعال العاطفى والنزوع إلى التبرير طبائع بشرية، فإن أمتنا العربية تحتاج فى ظروفها الراهنة إلى أن ترتفع حتى فوق الطبيعة ذاتها!



- ماذا حدث تماماً؟ وما هو معنى العاصفة العاتية التى هبت على العالم العربى ابتداءً من اليوم الخامس من يونيه سنة 1967 ثم توقفت فى اليوم العاشر من هذا الشهر بعد أن تركت على أجزاءً عديدة من وطن الأمة العربية حطاماً وركاماً وأشلاءً كثيرة؟



كيف؟.. ولماذا؟ وإلى أين بعد الآن؟!.



نقول، وبالحق:



- إن ما رأيناه خلال هذه الأيام الخمسة الرهيبة هو أقصى درجات العنف فى الصدام الذى احتدم بين الأمة العربية وبين حكومة الولايات المتحدة الأمريكية والمصالح التى تمثلها وسياسات السيطرة والقوة التى تمارسها.



هذا هو الموضوع نفسه، وأى شىء غيره ظواهر عارضة تعبر عن الشكل الخارجى للحوادث ولا تعبر عن صلب الحقيقة فيه.



ولقد كنت قبل أسابيع منهمكاً فى حديث طويل عن المراحل المتعددة للصدام بين ما تمثله الولايات المتحدة الأمريكية، وما تمثله الجمهورية العربية المتحدة، وعددت من مراحل هذا الصدام أربعاً كانت آخرها مرحلة العنف.



ولقد تركت ذلك الحديث ومرحلة العنف فى بدايتها وأعود إليه الآن ومرحلة العنف قد بلغت أقصاها!.



ويلزمنا الآن أن نرتب الحوادث على ضوء القليل الذى ظهر من تفاصيلها مدركين أنه سوف يمضى زمانٌ طويل قبل أن تظهر الخبايا كلها.



ولنذكر أن أحد عشر عاماً كاملةً مرت بعد السويس قبل أن تسقط الأقنعة كلها، فإن أنتونى ناتنج وزير الدولة للشئون الخارجية مع أنتونى إيدن سنة 1956 لم يتقدم للإدلاء بشهادته أمام التاريخ إلا فى سنة 1967 ويكشف تماماً كل عورات التواطؤ البريطانى مع إسرائيل ويعريها قبيحة ومخزية.



وأغلب الظن - فى هذه المرة - أن انتظارنا سوف يطول، لأن الذى قاد التواطؤ ودبره لم يكن جهاز دولة وإنما كان جهاز مخابرات.



إن الذى قاد ودبر مؤامرة التواطؤ الأمريكى مع إسرائيل هو وكالة المخابرات المركزية الأمريكية التى تبلغ ميزانيتها السنوية بشهادة المراجع الأمريكية الوثيقة نفسها أكثر من عشرة بلايين دولار والتى تشرف على توجيه كل إمكانيات السياسة الأمريكية وتتحكم فيها.



وما يظهر أمامنا الآن من الحوادث يرسم الصورة التالية:



أولاً:



منذ مطلع هذه السنة - 1967 - كان الاتجاه إلى العنف ضد القومية العربية يزداد بروزاً فى سياسة الولايات المتحدة الأمريكية.



كانت هناك حملات الضغط الاقتصادى والنفسى مدعمةً بموجات متلاحقة من العمليات السرية والإرهابية لكن ذلك كله بدا غير مؤثر بالدرجة الكافية وأكثر منه ظهرت بوادر تحولات هامة لصالح القومية العربية كان من أهمها - أن ثورة شعب الجنوب المحتل قد دخلت طوراً جديداً حاسماً كما أن اتفاقية للدفاع المشترك تم توقيعها بين مصر وسوريا.



وإزاء بوادر التحولات الهامة هذه كان هناك احتمالان لا ثالث بعدهما أمام سياسة العنف الأمريكى.



- إما أن تتراجع... وهو خطير بالنسبة لمواقفها ومصالحها.



- وإما أن تتصاعد بالعنف وتصل به إلى أقصى درجاته.



وكان هذا الاحتمال الثانى هو الذى رجحت كفته باعتبار أن المغامرة به قد تفتح منفذاً فى باب يوشك إغلاقه أن يكون كاملاً!



ثانياً:



عندما اتخذ القرار بالتصاعد بالعنف إلى أقصى درجاته كان هدف العملية الأولى فى اتجاه سوريا.



وفى ذلك الوقت بدأ التفكير فى غزو إسرائيلى يندفع نحو سوريا كى يلحق بدمشق ضربة تحطم رأسها وكان ما هو معروف ومشهور من التهديدات ضد سوريا مع الاستعداد لتنفيذ التهديد.



وكان التقدير وهو منطقى من وجهة النظر الأمريكية الإسرائيلية أن الجمهورية العربية المتحدة لن يكون أمامها إلا أحد خيارين.



- أن تشهد غزو سوريا وتسكت وحينئذ تكون قد تحطمت وتحطمت معها أية فاعلية للعمل العربى المشترك... وتنهار حركة القومية العربية من الداخل وتتفتت.



- وإما أن تتحرك إلى مهاجمة إسرائيل مشاركة فى الدفاع عن سوريا وفى هذه الحالة يسهل تصوير مصر فى دور الدولة المعتدية، ويتدخل الأسطول الأمريكى السادس ضدها تطبيقاً لعهد الحماية المقطوع لإسرائيل، والضمان المفتوح المعطى لها.



وفى هذه الفترة، وتمكيناً لإسرائيل من مهاجمة سوريا تعدت شحنات السلاح الأمريكى لإسرائيل - خصوصاً فى القوات المدرعة والطيران - كل حدود كان يمكن تخيلها.



ولا يمكن أن يقل ما تدفق على إسرائيل من الدبابات فى هذه الفترة - ما بين مارس ومايو من هذه السنة - عن أربعمائة دبابة جديدة كما لا يمكن أن تقل قوة الطيران التى جرى تزويدها بها على عجل - فوق ما لديها - عن 250 طائرة.



ولقد كان مقدراً أن إسرائيل لا تملك أكثر من خمسة ألوية مدرعة، ومع ذلك فإنها - يوم 5 يونيه - كانت تستعمل فى الهجوم على الجبهة المصرية وحدها ثمانية ألوية مدرعة.



وكان مقدراً أن إسرائيل لا تستطيع أن توجه ضربة أولى إلى أى بلد عربى بأكثر من مائتى طائرة، ومع ذلك فإنها - صباح يوم 5 يونيه - استعملت فى ضربتها الأولى على الجبهة المصرية وحدها خمسمائة طائرة!



ثالثاً:



أن مصادر عديدة اكتشفت فى بداية شهر مايو حجم الحشود المستعدة لعملية غزو سوريا.



اكتشفتها أجهزة المخابرات السورية واكتشفتها جهات مصرية متعددة واكتشفها أيضاً الاتحاد السوفيتى وأكدها للوفد البرلمانى المصرى الذى كان يزور موسكو فى مطلع شهر يونيه على نحو ما ذكر الرئيس جمال عبد الناصر فى خطابه الأخير إلى الأمة وهو يشرح تطورات الأزمة ونتائجها.



وبهذا الاكتشاف، فإن مصر قررت أن تتحرك.



ويبدو أن حركتها كانت مفاجئة فلقد كان التدبير الأمريكى - الإسرائيلى يعتقد أنها مشغولة فى اليمن وأن حرصها الوطنى قد يغلب التزامها بالواجب القومى كما أن رغبتها فى السلامة الإقليمية قد تسبق وعيها بضرورات الأمن العربى العام.



ولقد نتجت عن حركة مصر السريعة آثار تداعت وراء بعضها البعض منها انتهاء وجود قوات الطوارئ الدولية، ثم طرحت مشكلة الملاحة فى خليج العقبة نفسها.



وبعدها بساعات كانت أوضاع العالم العربى كله قد تغيرت بطريقة معاكسة تماماً لأهداف التدبير الأمريكى - الإسرائيلى.



ومرة أخرى أصبح هناك احتمالان لا ثالث بعدهما أمام سياسة العنف الأمريكى.



- إما أن تتراجع... وتواجه كارثة بالنسبة لمواقفها ومصالحها.



- وإما أن تتصاعد بالعنف ولو إلى درجة التفجير.



وكان الإلحاح الإسرائيلى - وما يملكه من وسائل التأثير الفعالة فى الولايات المتحدة - ينادى بالتصاعد لأسباب تتعلق بفلسفة الأمن الإسرائيلى وهو أمر شرحت وجهة نظرى فيه تفصيلا قبل هبوب العاصفة العاتية.



رابعاً:



فى بداية الثلث الأخير من شهر مايو - وعلى أثر تطورات الموقف فى الشرق الأوسط - جرت تعديلات أساسية فى التدبير الأمريكى - الإسرائيلى وكان أهم هذه التعديلات أن اتجاه العملية الأولى قد تغير من ناحية سوريا إلى ناحية مصر.



 
Comments: Post a Comment



<< Home
سلام ... Salam ... Here are "ArabComments" on trends and events related to our lives, individually as well as collectively as Arabs living in and out of our Arab Home Lands. We speak on love, religion, and politics of "neo-colonialism". We discuss a diversity of issues, ranging from InfoTech and InfoSec, to everyday price of bread, and everyday price of freedom. You are welcome to add your comments, just as long as they are not propaganda,i.e. SPAM, … Peace … سلام

ARCHIVES
Archives
December 2005 / January 2006 / February 2006 / March 2006 / April 2006 / May 2006 / June 2006 / July 2006 / September 2006 / October 2006 / November 2006 / January 2007 / February 2007 / June 2007 / July 2007 / September 2007 / May 2008 /


TechTags !

، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ، ،،،

Powered by Blogger