لأن غزة تحت المجهر
[ 22/07/2007 - 10:18 ص ]
د. إبراهيم حمّامي
منذ أسدل الستار عن ظاهرة الفلتان الأمني في قطاع غزة بالقضاء على أوكارها وفرار رؤوسها، يعيش القطاع هدوءاً غير مسبوق فاجأ أهل القطاع قبل غيرهم، وهو ما تشهد عليه ساحات وحدائق وشواطئ غزة المغتصة بالآمنين على نفسهم وأرزاقهم، وتشهد عليه غياب عمليات العربدة والقتل وقطع الطريق التي كان يقوم بها مرتزقة مأجورون.
لكن مع عودة الهدوء والأمن والأمان باتت غزة تحت المجهر، وهو مجهر يتصيد العثرات والزلات، ويكبّر التجاوزات، ويصور الأمر وكأنه جرائم مبرمجة وبقرار سياسي من أعلى المستويات، ولهدف إقصائي فصائلي، مجهر يقف عليه أبواق جاهزة لنفخ الكير، وتصعيد الأمور لتمنح مجرمي عبّاس ودحلان أنواط القدس، وتحولهم إلى مساكين ضحايا لا حول لهم ولا قوة.
ولأن غزة وقعت تحت ذلك المجهر، فإن كل خطوة بل كل نفس محسوب اليوم على الممسك بزمام الأمور هناك، لذا وجب الوقوف في وجه أي تجاوز للقانون أياً كان مصدره، ومن هذا المنطلق فإن القوة التنفيذية التابعة للشرطة الفلسطينية التابعة بدورها لوزارة الداخلية لها أن تستجوب، وتستدعي وتحقق، لكن ما لا يمكن قبوله أن يتم ذلك من خلال كتائب الشهيد عز الدين القسام، التي لا صفة رسمية لها في وزارة الداخلية، حتى وإن كانت تساعد وتساهم في حفظ الأمن، وبطلب رسمي من الهيئات الشرعية.
ما استوجب هذه المقدمة هو حادثتين وقعتا مؤخراً في قطاع غزة، أثناء "الاعتقال" وسجلوا على أساس "انتحار"، ولابد من الإشارة والتأكيد أن الشخصين المعنيين لم يكونا رهن التحقيق بسب انتماء سياسي، إنما على خلفية جنائية معروفة، الحادثة الأولى كانت وفاة فضل محمد سليم دهمش (31 سنة) في سجن غزة المركزي بتاريخ 10/07/2007 بعد أن تم تسليمه للسجن من قبل سرايا القدس التي اعتقلته بتاريخ 04/07/2007 بتهمة العمالة ونشرت تصويراً بذلك، وقد سجلت وفاته على أنها توقف في عمل القلب وعملية التنفس، واعتبرت سرايا القدس أنه "انتحر في السجن الذي تشرف عليه القوة التنفيذية.
الحادثة الثانية وقعت بعد أيام وتحديداً في 15/07/2007 بوصول جثة وليد سلمان أبو ضلفة الموقوف بتهمة جنائية للمستشفى من مقر "المشتل" الذي تشرف عليه اليوم كتائب الشهيد عز الدين القسام، وقد صرّح أبو عبيدة الناطق باسم الكتائب أنه قتل أثناء محاولته الهرب والتفاف السلاسل الحديدة حول رقبته مما أدى إلى وفاته اختناقاً!
التجاوزات موجودة وحدثت، والأخطاء موجودة وحدثت، وجرائم حدثت وسجلت، لكن هناك حقيقة بسيطة يجب الانتباه لها، حتى يعطى كل ذي حق حقه: كل ما حدث خلال وبعد الأحداث الأخيرة في قطاع غزة كان بشكل فردي وبدون غطاء سياسي أو فصائلي رسمي، وتمت إدانته والاعتذار عنه من أعلى الهرم السياسي لحركة حماس، ولم يتم تبريره، مقابل تبني عبّاس وعصابة العشرة لكل أعمال البلطجة وقطع الطريق سابقاً في قطاع غزة، وسابقاً وحالياً في الضفة الغربية، بل وصلت لدرجة توزيع أنواط القدس على أمثال المجرمين قطاع الطرق سميح المدهون ومحمد غريب، ووصلت لدرجة احتماء عبّاس بأزعر جنين زكريا الزبيدي، وعربيد نابلس أبو جبل، دون تقديم كلمة اعتذار واحدة للشعب الفلسطيني عن إحراق عشرات المؤسسات والجمعيات، وعن اعتقال عزل وجرهم من بيوتهم بسبب انتمائهم السياسي.
وقبل أن يدعي أي بوق من الأبواق الناعقة الزاعقة يومياً بأن العشرات وفي بعض الأحيان المئات من أبناء حركة فتح يعتقلون ويعذبون ويقتلون، أقتبس هنا فقرات من تقرير نشر في صحيفة الحياة بتاريخ 18/07/2007، وهو عن مؤسسات تعنى بحقوق الإنسان استند إليها جمال نزال وفهمي الزعارير وحتى عبّاس في التنديد بالاعتقال السياسي الموهوم، متحدياً إياهم في ذات الوقت أن ينشروا قوائم بهؤلاء المعتقلين السياسيين إن كانوا صادقين، وهم بالتأكيد ليسوا كذلك.
يقول التقرير:
في سابقة هي الأولى منذ سيطرت حركة «حماس» على قطاع غزة بالقوة المسلحة في الرابع عشر من الشهر الماضي، سمحت كتائب القسام الذراع العسكرية للحركة لناشطين في منظمات حقوقية في قطاع غزة بزيارة قسم التحقيق في سجن «المشتل» التابع لجهاز المخابرات العامة الفلسطيني غرب مدينة غزة امس.
وكشف المحامي في مركز الميزان لحقوق الانسان جميل سرحان لـ «الحياة» النقاب عن وجود سبعة فلسطينيين في قسم التحقيق محتجزين على خلفية أمنية تتعلق بالتعاون مع جهاز الأمن العام الإسرائيلي «شاباك».
ونفى سرحان وجود أي معتقلين سياسيين في قسم التحقيق في مبنى السجن المؤلف من طبقات عدة . وقال إن اثنين من المعتقلين صدر في حقهما حكم بالإعدام رمياً بالرصاص قبل سنوات عدة، احدهما محمد الزطمة المتهم بالمشاركة في اغتيال القائد العام لكتائب القسام الشهيد صلاح شحادة في الثاني والعشرين من تموز (يوليو) 2002.
اما السجين الثاني المحكوم بالإعدام فهو حيدر غانم المتهم بالمشاركة في اغتيال احد كوادر حركة «فتح» جمال عبدالرازق في تشرين الثاني (نوفمبر) 2000 أي بعد أسابيع قليلة على اندلاع الانتفاضة الحالية.
وهناك متهم ثالث بالتعاون مع الاحتلال ينتظر المحاكمة منذ خمس سنوات.
والسجناء الثلاثة كانوا من بين نحو 90 معتقلاً امنياً أطلقهم قادة الأجهزة الأمنية المتحصنون في مقر قيادة الاجهزة الامنية «السرايا» قبل ساعات قليلة من سيطرة حركة «حماس» عليه في الرابع عشر من الشهر الماضي.
وكان قادة الاجهزة الامنية الذين فر معظمهم الى مدينة رام الله في الضفة الغربية اطلقوا هؤلاء المتعاونين مع اكثر من 600 معتقل جنائي من «السرايا» .
وقال سرحان ان المعتقلين الأربعة الآخرين في «المشتل» اعتقلوا أخيراً ويجري التحقيق معهم على خلفية تهم بالتعاون مع «شاباك». وأوضح أن قسم التحقيق المؤلف من نحو 25 زنزانة تحتل نصف ممر طويل تشغل نصفه الآخر على الجانبين مكاتب المحققين.
ويبلغ طول بعض الزنازين مترين وعرضها متراً واحداً وتشمل مرحاضا وصنبوراً للمياه ولا توجد فيها أي إضاءة.
وأشار إلى ان غرفة التعذيب في السجن الذي صممه خبراء اميركيون اسوة بمقر المخابرات العامة المعروف باسم «السفينة» حولت الى «صالة استقبال» امس في اعقاب مقتل وليد ابو ضلفة اول من أمس تحت التعذيب في السجن نفسه.
ولفت الى ان فريق النشطاء المؤلف منه ومن محامين من الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان ومؤسسة الضمير لحقوق الإنسان التقوا السجناء الذين بدت على بعضهم أثار تعذيب ليست حديثة، بل مضت عليها أيام عدة.
وقال إن ما لفت نظره أثناء الزيارة التي جاءت بناء على دعوة وجهتها كتائب القسام لهم اول من امس في اعقاب الضجة التي أثارها مقتل أبو ضلفة ان كتائب القسام تستخدم «المشتل» للأغراض نفسها التي كان يستخدمها جهاز المخابرات العامة قبل سيطرة «حماس» على القطاع.
وأضاف انه لاحظ ان كتائب القسام التي تدير السجن وحدها من دون القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية أقامت هيكلاً ادارياً منظماً في ما يتعلق بالسجناء والعاملين فيه.
واشار الى انه لاحظ وجود تعليمات مطبوعة معلقة على لوحات الجدران وارشادات تتعلق بكيفية التصرف والعمل، والحراس يجرون اجراءات نظامية في ما يتعلق بالعاملين والزائرين، معتبرا ان كتائب القسام نقلت نفسها من كيان مقاوم سري الى كيان علني يعمل داخلياً ونظامياً.
وقال ان مسؤولي السجن تعهدوا امامهم احترام حقوق الانسان والقانون، وقالوا ان ما يهمهم هو ارضاء الله قبل ارضاء البشر . انتهى التقرير.
أضيف للتقرير السابق أن قادة حركة فتح في قطاع غزة يتحركون بحرية، وعقدوا المؤتمرات الصحفية، وهاجموا من شاءوا، دون أن يعترضهم أحد، في وقت يعتقل سياسياً وبدون تهمة كل من يشتبه مجرد الاشتباه أنه موال أو داعم لحركة حماس من قبل ميليشيات عبّاس في الضفة، وكتائب شهداء الأقصى في قطاع غزة بكل فروعها لا زالت تمتشق سلاحها وتتحرك به بحرية مطلقة في قطاع غزة، بينما يتم شراء سلاح الفصائل في الضفة الغربية بحجة أنها ميليشيات خارجة عن القانون، فمن هو الطرف الذي كان ولا زال يجرم بحق الإنسان الفلسطيني؟
لكن ولأن غزة تحت المجهر، ولأننا جميعاً وقفنا بوجه عمليات التعدي على حقوق الإنسان الفلسطيني من قبل عصابات الوقائي وغيرها، ولأننا لا نجامل أحداً في هذا المجال رغم تصنيف البعض أن الشخصين المعنيين هم من أعداء الشعب، ورغم أن التوقيف لم يكن على خلفية سياسية، كان لابد من توضيح التالي دون مواربة:
*
المتهم بريء حتى تثبت إدانته
*
توقيف أي شخص لا يكون إلا بإذن كتابي ومن الجهات المخولة قانوناً
*
لا يحق لكتائب الشهيد عز الدين القسام توقيف أي مواطن أو التحقيق معه
*
لا يجوز تكبيل المتهم بالسلاسل الحديدة ومن ثم تبرير التفافها حول عنقه
*
المسؤولية تقع على الجهة المشرفة على السجن حتى وإن كانت الحوادث انتحار لأن مراقبة الموقوفين والحفاظ على حياتهم مسؤوليتها، خاصة في ظل ما يجري من تشويه للحقائق
*
فتح تحقيق علني وبحضور جهات محايدة بالحادثتين
*
الإعلان عن نتائج التحقيق دون تأخير وتحديد المسؤولية بشكل مباشر
*
يجب محاسبة كل من قصر في أداء مهامه مهما كان منصبه
*
أخذ العبرة من التجاوزات والأخطاء الماضية والحرص على أمن وسلامة المواطن
*
التأكيد على مبدأ سيادة القانون في كل نواحي العمل الفلسطيني
*
وأخيراً تحويل المقار الأمنية التي تفننت بتعذيب أبناء الشعب الفلسطيني إلى متاحف وطنية يزورها أبناء هذا الشعب لأخذ العبر، لا أن يتغير السجانون، وتبقى السجون والمعتقلات.
إن التمسك بهذه المبادئ يقطع الطريق على رؤوس الفتنة المتباكين على الحريات في غزة، ويمنع حدوث أية تعديات أو جرائم تمس الإنسان الفلسطيني، وتعيد الأمور لنصابها القانوني الطبيعي، ولا يعني إطلاقاً الانتقاص من حالة الأمن والأمان في قطاع غزة، التي يقابلها عربدة وبلطجة لا حدود لها.
هذا عهدنا أن لا نجامل أحد، وأن نبقى أوفياء لنضال شعبنا وحقوقه، وأن نبقى على طريق الثوابت، فكلمة الحق واجب لا منة فيه، ولا عصمة أو قدسية لأحد، وجل من لا يخطئ.
والله من وراء القصد.
Labels: ابراهيم حمامي, تحليل سياسي, تعليق, رأي, سياسة, غزة, فلسطين, مقال
رأي ، تعليق ، تدوين ، عربي ، عربية ، تقنيّات ، تقنيات ، معرفة ، أدوات ، إدراك ، مدوّنة ، تصنيفات ، تدوين ، تدوينة ، مفكرة ، أفكار ، تفكير ، قراءة ، مقروءآت ، إستقراء ، إقرأ ، ثقافة ، حضارة ، إنسانيات ، موسوعة ، تاريخ ، فطرة ، دراسات ، أبحاث ، إتصالات ، تواصل ، تعليم ، تربية ، تحدّي ، إكتشاف ، سؤال ، جواب ، شبكة ، معلومات ، معلوماتية ،،،