لمن الكلمة غداً: ؟أهي للأنظمة أم للمعارضات السلمية أم للمعارضات المسلحة؟المهندس ليث الشبيلات
شكراً لاستضافتي في عاصمة بني أمية وفي هذه المكتبة التي تحمل اسم قائد عربي لم يحن رأسه للأمريكيين مشعراً العرب بعزتهم في تشرين المجيد وبعدم قبوله الالتقاء برئيس أمريكي إلا في بلد محايد غير متهالك على زيارة الولايات المتحدة ككثير من الآخرين الذين يعتبرون استقبال واشنطن لهم نصراً مبيناً. !!!. تلك الوقفات ومنها البرتوكولية الرمزية مهمة للمواطن العربي الذي بات غذاؤه اليومي بضعة صحون من "الإهانات الخارجية" عدا عن الإهانات الداخلية التي لا يخلو نظام عربي منها وبالأخص تلك الأنظمة المتمسكة بالعزة والثوابت القومية . وأدرك أن هذا التكريم لعربي ناقد مثلي يحاول أن لا يسكت عن باطل سببه صفاء الرؤية في التفريق بين المظالم الداخلية وما أكثرها عند جميع أنظمتنا العربية لا يستثنى منها أحد وبين تعرض الدولة بما فيها النظام السياسي للعدوان الخارجي. وإنني لأدرك بأن هذه الدعوة حدثت رغم أن الداعين المحترمين يعلمون علم اليقين بأن المدعو في الوقت الذي سيعلن فيه تضامنه وتضامن الشرفاء من الأمة مع سوريا شعباً ودولة ونظاماً في هذه الظروف التي لا تقبل التخلي، فإن مصداقية ذلك التضامن ستهوي إلى الخضيض ما لم تقترن بالمطالبات المتشددة برد المظالم الداخلية في الدولة المتضامن معها وإعادة ما صودر من حريات مقدسة شرعياً ودستورياً ، وأثمن عالياً لأصحاب الدعوة الأكارم ثقتهم بشخصي وثقتتهم بأن مقاصدي لا يمكن لها أن تخرج عن خدمة الأمة وسوريا الحبيبة التي هي بمثابة القلب من جسم الأمة. فعدا عن أن الظلم مرتعه وخيم وعن أن العدل أساس الملك، وعدا عن الخوف من الإرهاب المؤيد بالرهبة الربانية والمتمثل في دعوة المظلوم التي ليس بينها وبين الله حجاب ، فإن مصادرة الحريات الأساسية التي هي هبة الله خصومة مع الله وفيها مقتلة للإبداع ، فلا إبداع في غياب النقد ،وعندما يغيب الإبداع تزحف الهزيمة على أقوام عقولهم شلها الخوف ومجتمعات فككتها الرهبة من تجاوزات العين الأمنية .
لا يختلف اثنان حتى لوكان أحدهما عميل على أن تفكك الأمة إلى دويلات ذات سيادة فولاذية فيما يخص الشقيق وسيادة هلامية تتشكل حسب الضغوط فيما يخص المستعمر الذي زرع العدو ويرعاه هو السبب الأول والأخير للمصائب التي تتوالى على الأمة تترى. حيث إن فقدان القوة الجاذبة بين الأقطار العربية واستفحال أمر القوة الجاذبة الأمريكية المسلطة على تلك الأقطار بات يشد الغالبية الساحقة من حكومات أقطارنا آلاف الأميال بعيداً . حتى وصل الأمر إلى أن كثيراً من تصريحات السؤولين العرب أصبحت ترداداً للتصريحات والمواقف الصهيونية والأمريكية جهاراً نهاراً دون خوف من رقيب داخلي يقف في وجه هذا الاستخذاء المخزي. ألم تستمعوا إلى تصريحات مسؤولين عرب يقولون بأن حكوماتهم ترى في أبي مازن شريكاً مؤهلاً لمتابعة سراب ما يسمى بعملية السلام والتي هي بامتياز عملية استسلام غير مشروط في الوقت الذي يرفضون فيه لقاء وزير الخارجية الفلسطيني لأنه من حماس التي يتهمها البعض باستهداف أمن قطره في محاولة يائسة لتغطية عورة موقفه المتصهين المخزي بينما يلتقون أولمرت هرولة حيث أن أولمرت عندهم صديق حريص على أمن القطر العربي!!! . أحماس التي ليس لها برنامج خارج فلسطين عدوة للأقطار العربية؟؟ أم إنه أولمرت الذي يهددى كيانه الغاصب الدول المجاورة حتى أنه رفض الاعتذار عن تصريحات الجنرال الصهيوني قائد المنطقة العسكرية الوسطى يائير نافيه الذي صرح بـ " أن الملك عبد الله هو آخر ملك يحكم الأردن"؟؟؟؟؟ أم هو أولمرت الذي ينتقل من حضن عربي إلى آخر كلما فرغ من مذبحة جديدة .فمن طقوس صداقة أولمرت أن لا يزور قطراً عربياً إلا مصحوباً بتغميس يديه في دماء مجزرة جديدة كي يستقبله بكل "أريحية" ودون حياء من لا يخافون من غضبة الشعب الحليم الصابر المكابر الذي يغلي تفجراً والذي سيقفز في القريب فوق حكوماته وفوق المعارضات الإصلاحية التي تراوح مكانها وحتى فوق حماس إن هي بقيت في الخندق المائع الذي انتقلت إليه لينضم أبناؤه تترى إلى التمرد العنيف الذي هو الوريث الشرعي لأنظمة ومعارضات ميتة سريرياً تنتظر إزالة الأجهزة من أجل الدفن ولن يسأل الشعب عندها عن أيديولوجية التمرد هل هي تكفيرية أم وسطية ، فعندما تبع أبناء الأمة القيادات المناضلة القومية اليسارية سابقاً ومنهم من كان يتبجح بالالحاد لم يصبح الشعب ماركسياً ولا ملحداً بل بقي على ما هو عليه شعباً مسغرقاً في ثقافته الاسلامية التي ترفض التكفير كما ترفض الالحاد.
ومن حقنا أن نتساءل :أين القوى الحية داخل الأمة وأقطارها والتي هي صمام الأمان ضد انحراف الساسة الذين يعتبرون الكرسي وطنهم فما داموا محافظين عليه فإن "وطنهم" بخير؟ إن القوى الحية التي تؤمن بالإصلاح ولا تؤمن بالتغيير بالعنف تضطهدها الأنظمة وتقضي بذلك على مناعة ذلك القطر والأمة بحيث يتسلل داء الاستعمار متغلغلاً في الوطن في غياب جهاز مناعة مبرمج مؤهل للدفاع عنه . وينتقل حمل الدفاع عن الأوطان إلى انفجارات شعبية غير منظمة وغير مبرمجة تطيح بالموالي والمعارض معاً ولا ينتج عن فوضاها على طهر نواياها سوى فراغ يملؤه الأعادي المتربصون ؟ لقد ترك الشعب العربي اليوم كالأيتام على مأدبة اللئام. حكومات في معظمها تحسب حساب موظف بسيط في السفارة الأمريكية حتى إننا لنترحم على أيام نوري السعيد الذي كان يعامل الإنكليز كشريك يشاركهم في التخطيط والتنفيذ ويخالفهم في ما لا يراه مناسباً وليس عبداً فقط يتلقى الأوامر. هذه حال الحكومات المستخذية العميلة أما تلك الوطنية منها فإنها تفقد مناعتها عندما تتنافس مع نظيراتها المحتلة الإرادة في مجال الطغيان والفساد حيث يرتع الأقرباء والمحاسيب في ثروات الشعب نهباً وسلباً واستحواذاً ولا نجد حاكماً عربياً واحداً يضرب بيد من حديد على أيدي أقربائه وعلى المحاسيب. ثم بعد ذلك يتعجبون من تنامي التجاء الشباب إلى التيارات العنيفة والتي سيتضاعف بالتأكيد حجمها في المستقبل بسبب حكومات فاسدة وسلطات طاغية وبسبب الحرب المعلنة على الأمل السلمي الوحيد : التيار الإصلاحي, واحتوائه إما بتلقيمه قطعة عظم ليس عليها أي دهن يذكر على شكل مشاركة صورية في النظام السياسي ، أو بزجه في السجون بتهمة تهديد أمن الدولة. وما هو أمن الدولة ذاك؟ : هو أمن الحاكم من نظامه نفسه ، ثم أمن النظام من شعبه الذي قام ليخدمه زعماً ، وإذا تبقى جهد يذكر بعد ذلك فأمن الدولة من العدو الخارجي، وحتى هذا الأخير انقلب في العديد من الدول العربية إلى جهاز يخدم أمن العدو على حساب أمن الدولة والشعب متسمياً دائماً بالطبع بـ" أمن الدولة" فعيونه انتقلت من عيون على الأعداء مروراً بعيون على أبناء الشعب لصالح الحاكم وزمرته لتصل إلى حالة العيون التي تقدم تقاريرها إلى أعدء الأمس حلفاء اليوم , بل حتى ووصلت إلى حالة تقديم خدمات التعذيب للمحققين الفاشيين الأمريكان الذين ملأت رحلاتهم السرية المطارات العربية وفتحت لهم دول عربية رجعية وثورية بل وإكسترا ثورية سجوناً سرية خاصة لانتزاع الاعترافات تحت التعذيب. وباتت بعض الجيوش التي كانت عقيدتها القتالية الدفاع عن الأوطان من العدو الخارجي مسخرة إما للحفاظ على السلام العالمي (أي بنادق مأجورة تقوم بحماية المصالح الاستعمارية بالوكالة) في مخالفات دستورية صارخة أو حليفة لجيوش عقيدتها قهر العرب وكسر شوكتهم تشارك جيوش الطامعين في خيرات الأمة المناورات الأطلسية منها والمتوسطية وغيرها بل وتشاركها حتى في حروبها المشنة على أقطار الأمة العربية في انقلاب كامل على معاهدة الدفاع العربي المشترك . وأصبحت ال FBI التي هي وكالة الأمن الداخلي الأمريكي تعمل في مكاتب رسمية لها في كثير من أقطارنا بل وداخل مباني أجهزة أمن عربية دائسة بالبساطير على سيادتنا المزعومة بمباركة من حكام عرب وصلوا إلى الدرك الأسفل , ونحن لا نغار على سيادتنا إلا من جيراننا الأشقاء فأصبح ما يجري في شوارعنا شأن داخلي أمريكي تهتم به وكالة أمنه الداخلي!!!!. لقد كاد احتلال العالم العربي بأكمله أن يكتمل !! فحيث تمت معارضته بعناد أرسلت الجيوش أما حيث رضخت له الإرادة السياسية فقد أرسل بوليسه ليتلقط الوطنيين الأحرار بحجة أنهم إرهابيون . ولا يخفى على مثل جمعكم المحترم بأن أضعف أماكن الاحتلال تكون حيث توجد مقاومة مسلحة , فليس هدف الاحتلال زرع جنود أجانب في بلد مستهدف إنما هدفه احتلال الإرادة السياسية لذلك المستهدف لكي تسلمه الإرادة المحتلة بعد ذلك مقادير الوطن الاقتصادية وثرواته الطبيعية ، فإن هو حصل على كل ذلك دون إرسال قوات عسكرية كما قدمه له النظام العربي الرسمي البائس فلعمرو الله ذاك أبخس أنواع الاستعمار كلفة .
إن المقاومة العراقية العظيمة التي سجلت رقماً قياسياً في سرعة تفجرها أولاً ، ثم في سرعة الاقتراب من أهدافها رغم حصارها داخلياً من قبل عملاء الدبابات الأمريكية ورغم التآمر الإقليمي عليها إن كان من بوابة فارس الشرقية أو بوابة يعرب الغربية لهي حصن سورية الأبية المتقدم المنيع اليوم وحصن المقاومة اللبنانية الباسلة المتقدم بل إنها مظلة تضفي الأمان حتى على الشخصيات الوطنية في أقطار باتت السي آي إي والـ إف بي آي والموساد تسرح فيه وتمرح فوق السيادة التي لا تثور كرامة القطر بشأنها إلا عندما يختلف مع جيرانه. وإن لمن الظلم والسطحية بمكان اختزال المقاومة والوطنية من جهة والعمالة والخيانة من جهة أخرى في أردية طائفية. فالطهر والنجاسة ليسا معضلة شائكة يصعب فهمها. خصوصاً وأن الإمام الثائر آية الله الخميني الذي أدرك بصفائه الثوري وبنور بصيرته الثاقبة ما سيحدث بعده وقد حدث قد وصف للبسطاءوصفة كاشفة تجعلهم في أمان من الوقوع في ضلال حذلقة الملالي والتفيقهين إن هم انحرفوا. فأطلق على أمريكا لقب الشيطان الأكبر بحيث وضح لصغير والكبير أن كل موقف يتجانس مع مخططات الشيطان الأكبر هو موقف محرم شرعاً مهما أفتى بغيره أشباه العلماء كالحياد الإيجابي مثلاً أو المقاومة السلمية. وهو إذ أدرك بأن الطهارة والنجاسة ليستا حكراً على أحد لم يستبعد انقلاب أتباعه على شعاراته فأوصى في وصيته المشهورة بإمكانية مصالحة صدام وباستحالة مصالحة آل فلان وآل علان ممن أسماهم بالإسم . وهؤلاء أنفسهم هم الذين تصالح معهم خلفاؤه من بعد في الوقت الذي ما زالوا يعلنون عداوتهم الشرسة لمن أوصى الإمام بمصالحته إن جاء الأمريكان إلى المنطقة ويحللون لأنفسهم التعاون مع الشيطان الأكبر. ليست الوطنية ولا الخيانة حكراً على طائفة أو حزب ! إن أهم قائد ثائر أممي في تاريخنا الحديث إمام شيعي عظيم وإن المقاومة المسلحة الأنجح في تاريخ صراعنا مع العدو الصهيوني لهي المقاومة الإسلامية بقيادة حزب الله . فهؤلاء هم الذين يمثلون البطولة القصوى والفداء الأعظم في تاريخنا المعاصر ، وهم بذلك الممثل الشرعي والوحيد لفكر السادة الشيعة ، لا أولئك الذين انقلبوا على وصيتة إمامهم وجاؤا على ظهر الدبابات الأمريكية أو سمحوا بحيادهم الإيجابي وتعاونهم الأمني المكشوف للغزوين الأمريكيين لأفغانتسان والعراق أن يحدثا بهذا الشكل.!
وكذلك الأمر بالنسبة لأهل السنة والجماعة فإن الوطنية ليست حكراً عليهم رغم أنهم هم مادة المقاومة العراقية الباسلة الرئيسة حتى يومنا هذا منتظرين انضمام إخوانهم بزخم إليهم قريباً ، ورغم أنهم هم المجاهدون في حركة الجهاد الإسلامي . ففي الوقت الذي يقف فيه حزب الله الشيعي سداً منيعاً في وجه التدخل الامريكي في لبنان مثلاً علينا أن نخضع للتحليل ثم إلى المحاسبة كل مسؤول سوري دفعت تصرفاته بالحليف التقليدي للعروبة الممثلة بسوريا في لبنان لأن يكون ولفترة نأمل أن تكون وجيزة إن شاء الله في الخندق الأمريكي!
إن اختزال المقاومة بسنة أو شيعة أو حتى بالتيارات الإسلامية فقط لظلم مجحف بعيد عن الواقع، فلا يمكن لأي منصف أن يقفز فوق الدور الرئيسي بامتياز الذي قام به منذ لحظة الاحتلال الأولى البعثيون في العراق وما زالوا يتصدرونه بحرفية وكفاءة بالغتين هي الدلالة الكبرى على تصدرهم العمل المقاوم ناهيك عن المركز القيادي المعلن الذي يتبوؤه المجاهد البعثي الصوفي الكبير عزة إبراهيم الدوري نصره الله.
في عام 1990 وبعد أن كنت قد اطلعت على أدبيات أو بالأحرى على قلة أدب بعض مراكز البحوث الأمريكية ومنها مقتطفات من مشروع أسماه كيسنجر project democracy "مشروع الديموقراطية" وفيه كيفية استعمال شعار الديموقراطية ضد الوطنيين المطالبين به وتسخير "الديموقراطية" لاحتواء العالم المتمرد التفت إلى أصدقاء نشطاء وسألتهم: " ماذا عساكم فاعلين بعد سنوات قليلة عندما تتقاطع مطالبكم بالديموقراطية مع لواء ديموقراطية مزعومة ترفعه الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.؟ وها نحن في وسط تلك الحقبة . إن للإدارة الأمريكية خبراء متخصصون في ما هو أشبه بـ "الجودو السياسي" وظيفتهم استعمال قوة دفع التحركات التحررية والتسلل إلى شعاراتها ثم إعادة إنتاجها لتنقلب نتائجها على أصحابها ألأصليين. فبعد أن ضاقت الإدارات الأمريكية ذرعاً بالتحركات العالمية لدول عدم الانحياز ومؤتمرات مثل باندونغ وكولومبو التي كانت تسعى إلى تعديل النظام الدولي وقتئذ ليصبح أكثر توازناً مع مواثيق الأمم المتحدة قررت تغيير مواثيق الأمم المتحدة لقلب الأسس القائمة عليها والتي تقف في وجه زحفها الإمبريالي وتحقيق أهداف مثل نسف مبدأ الدولة القومية وسيادتها التي قامت عليها مواثيق الأمم المتحدة ، وكذلك قلب مفهوم السيادة الوطنية إلى مفهوم "سيادة طرية" soft sovereignty تسمح بتدخل الأمم المتحدة ؟؟؟!!! وقلب مفهوم حقوق الإنسان من حقوق الجماعات بالحرية والعدالة الاجتماعية ومن أهمها حق حق تقرير المصير إلى حماية حق الفرد في خياراته الشخصية مثل الزواج المثلي وغيره ما قد يستدعي يوماً ما تدخل البوليس الدولي لفرضه. ومنها أيضاً قلب شعار نقل التكنولوجيا إلى شعار التكنولوجيا الملائمة appropriate technology وقلب شعار محاربة التلوث البيئي الذي يفترض أن يخدم الإنسان إلى ضده بفصله عن الملوث الأكبر المتمثل بالفقر وغيرها مما يحتاج إلى محاضرات متخصصة لتفصيله . ولما كان السعي المباشر المكشوف لتغيير مواثيق الأمم المتحدة مستحيلاً وسيلقى مقاومة ثقافية وسياسية جبارة ، كان لا بد من التحايل على ذلك بالتسلل إلى الشعارات وإحلال الجديد منها بدل ما هو موجود في مواثيق الأمم المتحدة, واختراق المؤتمرات الدولية بتزيين الشعارات الجديدة لها حتى إذا نالت موافقة المؤتمرات التي يحضرها رؤساء دول غافلون أصبحت مرجعية أقوى من مرجعية الميثاق القديم المنوي دفنه حياً . لذلك تم إنشاء مكتب خاص desk في وزارة الخارجية الأمريكية لقلب المؤتمرات الدولية التي بدأت في باندونغ بقيادة عبد الناصر وتيتو وسوكارنو والتفاف زعامات تاريخية أخرى حولهم إلى مؤتمرات تخدم أهدافهم بطرح شعارات ظاهرها فيه الرحمة ومن قبلها العذاب. وبالمناسبة فإن رئيس فرق التفتيش في العراق دافيد كاي كان يوماً ما مسؤولاً عن هذا المكتب. وبدأت الحملة ثقافياً بكتاب أصبح إنجيل العولمة اسمه "حدود النمو" Limits to Growth أصدره أستاذان كاذبان في كبرى الجامعات التقنية الأمريكية MIT عام 1970 أو 1971 اسمهما فورستر وميدوز يزعمان فيه حسب مثال حاسوبي أن السكان في الأرض لن تكفيهم الموارد المتاحة بحلول عام 2015. وقد أقرت حتى أكادمية العلوم الأمريكية لاحقاً عام 1980 بأن الأسس العلمية للكتاب مختلة إذ غيب عن المثال الرياضي الحاسوبي فيها أهم المتغيرات على الإطلاق ألا وهو العقل البشري الذي كلما قفز بالإنسان من تقنية إلى أخرى تمت إعادة تحديد موارد الأرض بالضرورة وباستمرار!!! ولكن بعد فوات الأوان : بعد أن أصبح الكتاب إنجيلاً للعولمة والمعولمين وبعد أن بيعت منه ملايين النسخ طبعة تلو الأخرى. أما الحملة السياسية فقد بدأت بمذكرة مجلس الأمن القومي الأمريكي رقم 200 لسنة 1973 والتي تبنت المبدأ القائل بأن زيادة السكان في العالم وبالذات في الدول المحرومة هو عدوان على الأمن القومي الأمريكي. وحاول كيسنجر أن يفرض سياساته السكانية تلك على قمة بودابست العالمية للسكان عام 1974 فقادت الجزائر أفريقيا والبرازيل الدول اللاتينية لإفشال توصياته فاستصدر من الرئيس فورد أمراً رئاسياً سرياً رقمه 514 لعام 1974 تقرر فيه أن سياسة أمريكا الخارجية تعتبر عدم الانصياع لسياسات تحديد السكان في العالم عدواناً على أمنها القومي. وفي السنوات التي تلت نجحت الولايات المتحدة في التغلب على المعارضات في القمم اللاحقة ولم تفلح جهود سياسيين عظماء من أمثال الزعيم الوطني المثقف مهاتير محمد في تحريك الدماء في رؤساء يحضرون القمم من أجل السياحة فقط لوقف زحف الأفكار الدولية الجديدة فوقف شبه وحيد في قمة الأرض في ريو دي جانيرو عام 1992 تناصره على استحياء الهند في محاولة فرض الاعتراف بالمبدأ القائل بأن الفقر هو رأس الملوثات البيئية كي يصبح الشعار إنسانياً وليس عدوانياً كما يريده رواد العولمة فنام زعماء العالم النامي وفرضت الولايات المتحدة برنامجها المتوحش الذي تسبب في زيادة رهيبة في أسعار أقوات الفقراء خدمة لمصالح من أفسدت وتفسد مصانعهم البيئة العالمية والذين يرفضون حتى على التوقيع على المعاهدات المجحفة ليس لإجحافها بل لأنهم يرفضون أي قيد مهما صغر يكبل توحش اقتصادهم. وحتى نصل إلى غايتنا من التطرق إلى هذه المواضيع فإن شعار الديموقراطية الأمريكي اليوم هو الشعار الزاحف الذي يختلط مع المطالبات العادلة للشعوب ليلتقط الأمريكيون الخيط فيديرونه لمصالحهم. وعندما ينفلت الخيط من أيديهم كما حدث مع حماس لا يتصبب لهم جبين خجلاً وهم يتنكرون لنتائج ديموقراطية لا تسلم قيود الأوطان إليهم.
في حقل الألغام هذا تم وضعنا . فضعفاء النفوس من الذين لا يرون في الديموقراطية أصلاً إلا طريقاً لإزاحة مستفيد ليحل في الاستفادة مكانه مستفيد جديد ، بدؤا في القفز إلى القطار الأمريكي ، أما الخائفون من ديموقراطية حقيقية تجتث الفساد كتلك التي جاءت بحماس فإنهم يحاربون الفكر الديموقراطي جملة وتفصيلاً بحجة أنه بصادقه وكاذبه مطية للأمريكان !!! فأين المفر ؟؟ يرفض الحكام المستهدفة حتى كراسيهم من قبل الأعداء الجلوس إلى معارضة وطنية تعلن بانها لا ترغب في منافسة الحاكم على كرسيه وإنما ترغب في إحلال العدل والحرية والمساواة وترغب في تعبئة الوطن كله في وجه الأعداء تعبئة نابعة من قلوب مؤمنة لا من أفئدة مرتعبة!!!! بل ويضطهدونهم ويعتقدون بسذاجة لا تليق بعاقل أن أمن النظام سيتحقق بمجرد إسكات هذه الأصوات كمن يعالج الطفح على الجلد على أنه مرض سطحي لا علاقة له بالأجهزة الداخلية للمريض!!!. فما هو المستقبل الذي ينتظر مجتمعاتنا؟؟؟ خاصة في زمان أصبح الدين فيه مسيراً للسياسة لا في بلاد العرب والمسلمين حيث يمتطيه الحكام وتموج به الشوارع في محاولات لإيصاله إلى السرج بل لدى القطب الأوحد المنفرد في مصير العالم اليوم. فالنظام الأشد أصولية اليوم بعد دولة الكيان الصهيوني (حسب مصطلح الغرب وليس حسب مصلحاتنا) هو النظام السياسي الأمريكي. فالسياسة في الولايات المتحدة باتت تنقاد للموقف الديني علناً اليوم بعد أن كانت كذلك دوماً من وراء الكواليس . إذ لم يسمح الضمير البروتستانتي الأبيض الأمريكي بإبادة الهنود الحمر إلا على أساس أنهم الكنعانيون الجدد الذين أمر بنو إسرائيل بإبادتهم في التوراة المحرفة وأن البروتستانت البيض المهاجرين هم الورثة الشرعيون للعهد الذي خانه يهود. فقام المهاجرون باجتياز البحر(المحيط الأطلسي) إلى أرض الميعاد وأجهزوا على الكنعانيين الجدد وبنوا مدينتهم على التل City on the Hill الكابيتول تنفيذاً للتوراة. ويحتفلون بعيد الشكر بذبح التركي (ديك الحبش) ولا يخلو ولم يخل أي خطاب رئيسي لرئيس للولايات المتحدة من الإشارة المستندة للتوراة زعماً إلى "القدر المتجلي" manifest destiny للأمريكيين ليقوموا بشن الحروب على العالم تنفيذاً لذلك القدر. وتفاقم الأمر بسياسة بوش الأشد حمقاً التي تقوم على أنه من ليس معنا فهو عدونا حيث تتنافس معظم قيادات العالمين العربي والإسلامي في الإمعان في الوقوف في وجه أماني شعوبها معتبرة أن الأماني المشروعة لشعوبها كأمنية تحرير فلسطين القضية المركزية للأمتين العربية والإسلامية والتي استمدت الأنظمة مشروعية قيامها وبقائها منها أصبحت إرهاباً . ويجاريها بالسكوت على انقلابها على ذاتها في معارضة غير عاصفة تيار إصلاحي غير ذي حزم في غالبيته الحزبية المنظمة طمعاً في المشاركة في نظام سياسي يعتبر الشركاء جواري يكن في أرقى حالاتهن في الفراش ثم يصرفن بعدها إلى جناح الخدم . والجارية لا تناضل من أجل الحرية بل من أجل الحظوة. وتتمركز جدية التيار الإصلاحي بشكل أكبر في أفراد وفي بعض مؤسسات المجتمع الأهلي الذين تنزعج الأنظمة الممتنعة عن إصلاح ذاتها منهم . ويتسبب هذا الحال في بقاء المقاعد القيادية التي بها يكون التأثير والتي لا يستطيع ملء مسؤوليتها سوى تنظيمات سياسية حزبية جدية شاغراً إما بغزل الأحزاب الإصلاحية الخجول مع سلطات لاتخجل أو بانكفاء تنظيمات حزبية إلى الخارج مستندة إلى الأستعمار المتربص بالبلاد. ففي الوقت الذي تقدمت فيه حماس وهي تنظيم إخواني بالكامل في مضمار الجهاد والتمسك بحقوق الأمة وأماني شعوبها ينسلخ تنظيم إخواني آخر منضماً إلى خندق الهجمة الاستعمارية على بلاده بل ويمعن في النذالة بإعلان مواقف تسحب بساط الثوابت من تحت التنظيم الحمساوي المجاهد بإعلانه عدم ممانعة التفاوض مع العدو الصهيوني إن هو وصل إلى السلطة في سوريا معتقداً أن هذا التملق يرضي الصنم الأمريكي المعبود من غير الله!!!! ويضع يده في سبيل ذلك مع منشق أولغ في أرزاق الشعب العربي السوري وسام الشعب العربي في لبنان خسفاً عندما استلم الملف اللبناني قرابة العشرين عاماً ثم انقلب بقدرة قادر إلى منقذ لبلده من مظالم هو شريك رئيس فيها يحلم بواسطة نقل عسكرية أمريكية تقله إلى دمشق. ولا بد في هذا أن لا يساء الفهم بتحميله وحده مسؤولية الأخطاء والخطايا التي ارتكبت وترتكب كلما سلمت الملفات السياسية إلى الأمنيين فالمصيبة الكبرى في العالم العربي اليوم هي هيمنة الأمنيين على كل ما هو سياسي بل وعلى الجامعات والترقية فيها ومثل ذلك فيما يخص القضاء ونيابة الشعب بحيث أتى السوس على النظام السياسي لدى أقطارنا العربية. فلا يوجد إلا قائد فرد مخلد ملكاً كان أم رئيساً انقلبت المؤسسات الدستورية في بلدهما إلى زينات مملكات تزين قبضة أمنية لا يتجرأ على مخالفة ملازم فيها لا رئيس حكومة ولا رئيس قضاء ناهيك عن رئيس مجلس للنواب. ونشكر في هذا المجال للرئيس اليمني عودته عن عدم الترشيح بعد أن أرعبتنا خطوته تلك لأيام قليلة حلم فيها البعض بفرج موهوم ولن نرتاح ونضع أقدامنا في المياة الباردة إلا عندما يقدم لنا تضحية موازية لتضحية سيدنا إبراهيم بولده فيضحي بولده ملقياُ به في غيابت رئاسة الجمهورية وخلافتها ويكتفي بأن يحتسب مصيبته تلك عند الله فهو حسبه وحسبنا ونعم الوكيل. إن مدربي كرة القدم يستقيلون حالاً بعد الهزيمة أما حكامنا فهزائمهم نصر وأمركتهم طهر ثوري لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من تحت أرجلهم . قد رضي ربنا سبحانه لنفسه بنسبة تأييد بشري تقل بكثير عن الأغلبية بينما هم لا يرضون إلا بال 99،99%.
المستقبل مظلم ومشرق في نفس الوقت. وإن بين النورالقادم بالتأكيد وبين الظلام الحالي فترة فوضى مجنونة أشد سواداً مما مضى . ظلمة فوضى سياسية اجتماعية تتحمل مسؤوليتها بعد الأنظمة المعارضات الحزبية الشكلية غير الجادة التي تضن على وطنها بأن تتعذب من أجل كلمة اتق الله . ولقد بدأ الشعب يكفر بحكامه وبالتشكيلات السياسية التي لا جدوى منها وبدأ اليأس يدفع به تدريجياً إلى تيارات المفاصلة التي كانت تسخر من وسطيتنا معشر المعارضات اللينة المداس عليها وتتهمنا بأننا مجرد ديكور لأنظمتنا لأن نظرتها فينا أصبحت أقرب إلى الحقيقة منها للاتهام الجائر. ولقد أكدت لهم ذلك أنظمة متعالية لا ترى تحت أنفها بل تحارب إصلاحاتنا حرباً شعواء كما أكدت لهم ذلك معارضاتنا الناعمة التي لا تجرؤ على فتح ملفات فساد الحاكم وأقربائه ناهيك عن مناقشة انفراده بتسليم مصير بلاده إلى الأجنبي . وإن شخصاً مثلي اليوم ما عاد يستطيع أن يعد الناس إن هم اتبعوه بتحقيق جزء يسير من طموحاتهم لذلك فهو يسحب نفسه معتزلاً ويصدق قومه النصيحة بضرورة بحثهم عن غيره!! وكلكم يعرف في أي اتجاه سيتوجه العطشى للكرامة والمسحوقين من الظلمين الخارجي والداخلي. فعندما يصل الأمر بالناس إلى هذه الدرجة من قلة الثقة بالنظام السياسي بمؤسساته الموالية والمعارضة سواء بسواء فهل سيتوقفون عند جزئية حل أو حرمة التكفير الديني إن هم وجدوا التضحية والبذل والشجاعة في مواجهة المحتل وعملائه لدى تكفيريين ؟؟؟ في الوقت الذي نامت فيه نواطير الوسطية عن ثعالب الأمة فما بشمن وما فنت العناقيد؟؟؟؟
أيها الأصدقاء والأخوة المتمسكون بعروبتهم في سورية الحبيبة . إن صديقكم من صدقكم وبخاصة اليوم إذ لم يعد أمركم أيها الأصدقاء شأناً خاصاً بكم ، فالأذى الذي يلحق بصديقي اليوم يصيب الكبد مني. ونحن شركاء في المصير مع أصدقائنا حتى إن لم يرغبوا بإشراكنا في التدبير ، بل يريدوننا تبعاً كالجواري نتغنى بحسناتهم ونمتنع عن نصحهم في ما لا تتحمله آذانهم . فعندما يحتاجون دعمنا المعنوي ينادوننا شريطة أن نلزم حدنا فلا نتصرف كشركاء نسأل ونسأل . نحن شركاء رغماً عنا لأننا لا يمكن أن نكون في الخندق المعادي ولا حتى في خندق المتفرجين. لا نريد لوقفتنا مع سورية اليوم أن تكون بسبب الشهامة التي نأبى أن نتنازل عنها فقط. لا نريد لوقفتنا اليوم مع سورية شعباً ونظاماً أن تكون لمجرد أننا لا نقبل لأنفسنا أن نكون في الخندق الأمريكي . نريد أن نقف مع سورية وقفة إيجابية ! وقفة شركاء في المصير يستمعون إلينا كما نستمع إليهم نتبادل المشورة ولا ننتظر تعليمات أو قرارات ينتظر منا أن نهلل لها رغم عدم مشاورتنا فيها. إن كان النظام القومي في سورية يخوض معركته على أنها شأن قطري فلا منطق عند عربي غير سوري في طلب المشاركة أما إن كانت سورية تخوض معركتها على أنها معركة قومية وهي كذلك فلا مفر أمامها من ضرورة حشد مجلس استشاري عربي واسع يتم اختياره من شخصيات عربية مناضلة حظيت بإجماع شعبي عربي فوق الشكوك يتبادلون النصيحة ولا يقال لهم في أي شأن يطرقونه أن هذا شأن داخلي سوري لا تدخل لكم فيه . شخصيات عربية ليست خلافية مؤهلة إن هي جمعت في سورية لتكون نواة لمؤتمر تأسيسي عربي جديد يُبدأ بإعادة بناء الأمة على أسسه وبإلهام من نضالاته التي سيخوضها في دعم سورية والعراق وفلسطين ودارفور والمقاومة في كل مكان. إن كان هنالك شك في أن انفراجاً ديموقراطياً داخلياً غير ممكن في هذه الأوقات مع أننا نعتقد أنه ليس ممكناً وحسب بل وواجب أيضاً فإن تأسيس ممارسة ديموقراطية عربية لا يشك في قوتها التمثيلية فيه استجابة كبيرة للتحدي ورسالة فحواها أن الانفراد في القرار وفي الحكم ليسا غاية المسؤولين هنا بل مصالح الأمة التي يشاركهم فيها مناضلون عرب . ثم إن تحصين الجبهة الداخلية التي نخرها الإقصاء يكون بفسح المجال أمام كل قومي أو إسلامي أو يساري أو وطني مخلص لعروبته وثقافة أمته وغير مرتبط بأي أجنبي كي يدافع عن سيادة سورية وعروبتها وعن دينه السمتهدفين جميعاً دون شرط الولاء للحزب الحاكم بل للوطن. أليس معيباً أن نرى العدو يشكل في كل نازلة أو لكل أمر كبير يعتبره خاصاً بالوطن ائتلافاً وطنياً يخوض معاركه المصيرية على أساسه ونحن إذ نرى وجودنا القومي بأكمله معرضاً للزوال ما زالت عندنا الجراءة لنزعم بأن فئة واحدة من الناس هي وحدها المؤهلة للدفاع عن المصير. فئة من الناس على حق وغيرهم على باطل . ليس كل من جلس على كرسي مسؤولية في الحكم بالضرورة وطنياُ وقد رأينا عند اشتداد الأزمة انشقاق أعلى مسؤول سوري بعد الرئيس لا ندري كم مثيل له في النفاق ينتظر توقيتاً أفضل (نرجو أن لا يحل أوانه) لنقل جسمه إلى الخندق الذي تقبع فيه روحه الذليلة . وبدرجة أكبر ليس كل من دخل السجن سياسياً خائن بل إن غالبيتهم الساحقة يتميزون بوطنية عالية لا ينال كعبها غالبية ساحقة من أشباح حزبية ظاهرها الولاء وباطنها من قبله العذاب تملؤ مقاعداً في السلطة السياسية لا تملك من النصح سوى ما يثبت على الكرسي. كما ليس كل من رفع راية الإسلام أميناً طاهراً مطهراً فمنهم من أوصله الشعار إلى قمم الجهاد كالجهاد الإسلامي وحماس في فلسطبن وحزب الله في لبنان وآخرون من نفس التنظيم أو الطائفة هبطوا بالشعار الذي لم يصدقوا معه إلى الحضيض : إلى أحضان المستعمر مثل تلك الأحزاب الدينية في العراق الشيعية منها والسنية التي جاءت على ظهور الدببابات الأمريكية ، ومثل ذلك السوري الذي يزعم في لندن بأنه على قدم الإمام البنا وقد لفظته قدم البنا وألقت به في ما يسمى بجبهة الخلاص القابعة تحت قدم الأمريكان والإنجليز. وليس كل يساري طاهر في يساريته وطني في غايته فقد رأينا وما زلنا نرى أن العديد العديد منهم أصبحوا رأس الحربة الثقافية والإعلامية والسياسية لليبرالية المتوحشة وعولمتها وللغزو الأمريكي الصهيوني للمنطقة. وليس كل ليبرالي عميل للأمريكان فقد رأينا وما زلنا ليبراليين راسخي القدم في وطنيتهم وصدق قوميتهم يبزون إسلاميين وقوميين في غيرتهم على الوطن.
أيها الأشقاء الكرام . في الختام وعلى عحالة تعالوا نبحث عن السبب الداخلي الذي وراءه تنامي العنف الإسلامي لأنكم تعفون السبب الخارجي. لم يغب الإسلام يوماً عن ساحات أمتنا مهما عم تغييبه ، فهو الرقم الأصعب الذي لا يمكن لأي نظام مهما تعلمن أن لا يلجأ إليه! فلقد سيس الحكام على اختلاف مشاربهم وتصرفاتهم الدين في الوقت الذي رفضوا فيه للشعب أن يتنظم على أسس مرجعيتها دينية !فهل هنالك حاكم مهما كان لا يحتاج إلى أن يدعى له في المساجد فرضا إلزامياً دليلاً على الولاء ؟ فإن كان علمانياً بحق فلماذا يحتاج المساجد من أجل شرعيته؟ وهل خاض أي نظام مهما كانت مبادئه الحروب المسلحة إلا تحت راية الله أكبر؟ لم يستطع الحكام أن يجعلوا الإسلام تحت ظلهم بل إن ظله يظلل من ألحد منهم ومن آمن!
إن علماءنا الصالحين في التاريخ علماء محافظون قولاً واحداً لأن درأ المفاسد التي تأتي بها الانقلابات أولى من جلب المنافع التي تتطلع إليها .لكنهم وبسبب من استقلالهم المادي كانوا مستقلين في رأيهم الاجتاعي السياسي فكانت لهم هيبة عند الشعب لهيبة الحكام من أمرهم الجريء بالمعروف ونهيهم الاجرأ عن المنكر. سر الحكام بالجزء الأول ولم يتعايشوا مع الجزء الآخر : جزء النصيحة الواجبة فاحتلوا الأوقاف المستقلة التي كانت ترعى العلم المستقل فيما ترعاه وجعلوا المؤسسة الدينية الرسمية في جيبهم تدعو لهم شعباً لا يؤمن لا بها ولا بمن تدعو لهم. فلما جاءت النهضة الدينية الحالية افتقدت إلى الثقاة من كبار العلماء وليس إلى التلامذة الدارسين له من أمثالي فمنهم من أنقذه الله من ادعاء العلم ومنهم من غاص بحسن نية في علوم لا قبل له بها فهان عليه التكفير ووقعوا بما وقع به الخوارج الذين طلب الناس من الإمام علي كرم الله وجهه أن يلعنهم فأبى قائلاً قولته الخالدة: ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه.
إن رفض مؤسسة النظام الرسمي العربي للمعارضة الوطنية أن تتبوأ مكانها واستمرار رغبته في قولبة الدين بنظام الحكم وليس العكس وأثر ذلك في انهيار الأمة وتعرضها للاحتلال والمذلة إن لم يتداركه العاقلون الموالون للأنظمة ومعارضوهم معاً يداً بيد بإعادة صياغة نهضة طاهرة منفتحة تقدس الحريات وتحترم الشعوب وتدافع فيه الأنظمة عن الشعب من الأجنبي لا أن يزحف الأجنبي على الشعب من خلالها فإن عواقبه وخيمة : فوضى سياسية اجتماعية وعنف يستمران حتى يأذن الله بفرج عن هذه الأمة الموعودة بالفرج . هكذا نرى حال الأمة اليوم وغداً
شكراً
المصدر :
شبكة البصرة الاحد 13 جماد الثاني 1427 / 9 تموز 2006